شرح الجزء الرابع من معلقة امرؤ القيس

مُـهَـفْـهَـفَـةٌ بَـيْـضَـاءُ غَـيْـرُ مُـفَـاضَـــةٍ

 

تَـرَائِـبُـهَـا مَـصْـقُـولَـةٌ كَـالـسَّـجَـنْـجَــلِ

كَـبِـكْـرِ الـمُـقَـانَـاةِ الـبَـيَـاضَ بِـصُـفْرَةٍ

 

غَـذَاهَــا نَـمِـيْـرُ الـمَـاءِ غَـيْـرُ مُـحَـلَّــلِ

تَـصُـدُّ وتُـبْـدِي عَــنْ أسِـيْـلٍ وَتَـتَّــقــي

 

بِـنَـاظِـرَةٍ مِـنْ وَحْـشِ وَجْــرَةَ مُـطْـفِـلِ

وجِـيْـدٍ كَـجِـيْـدِ الـرِّيـمِ لَـيْـسَ بِـفَـاحِـشٍ

 

إِذَا هِـــيَ نَــصَّـــتْــهُ وَلاَ بِــمُــعَــطَّــلِ

وفَـرْعٍ يَـزِيْـنُ الـمَــتْـنَ أسْـوَدَ فَــاحِــمٍ

 

أثِــيْــثٍ كَــقِــنْــوِ الـنَّــخْـلَـةِ المُتَـعَـثْكِلِ

غَـدَائِـرُهُ مُـسْـتَـشْـزِرَاتٌ إلَــى الـعُـلا

 

تَـضِـلُّ الـعِـقَـاصُ فِـي مُثَـنَّى وَمُرْسَـلِ

وكَـشْــحٍ لَـطِـيـفٍ كَـالـجَـدِيْـلِ مُخَـصَّرٍ

 

وسَــاقٍ كَـأُنْــبُــوبِ الـسَّـقِـيِّ الـمُـذَلَّــلِ

وَتُضْـحِي فَتِـيْتُ المِسْكِ فَـوْقَ فِراشِـهَا

 

نَـؤُومُ الضَّـحَى لَمْ تَنْتَــطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ

وتَـعْـطُـو بِـرَخْـصٍ غَـيْـرَ شَـشْـنٍ كَـأَنَّهُ

 

أَسَـارِيْـعُ ظَـبْـيٍ أَوْ مَـسَـاويْـكُ إِسْـحِلِ

تُــضِــيءُ الــظَّــلامَ بِـالـعِـشَـاءِ كَـأَنَّـهَا

 

مَـنَـارَةُ مُــمْــسَـى رَاهِــبٍ مُــتَــبَــتِّــلِ

 

 

شرح البيت الواحد والثلاثون​​ :

مهفهفة بيضاء غير مفاضة  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ ترائبها مصقولة كالسجنجل​​ 

قوله : كالسجنجل وهي المرآة ، وروى بالسجنجل ، وعليها فالجار والمجرور في موضع نصب .

المهفهفة : اللطيفة الخصر الضامرة البطن .

المفاضة : المرأة العظية البطن المسترخية اللحم ، الترائب : جمع التربية وهي​​ موضع القلادة من الصدر ،​​ 

السقل والصقل بالسين والصاد : إزالة الصدإ والدنس وغيرهما ، والفعل منه سقل يسقل وصقل يصقل .

السجنجل : المرآة لغة رومية عربتها العرب وقيل هو قطع الذهب والفضة .​​ 

والمعنى : هي امرأة دقيقة الخصر ضامرة البطن غير عظيمة البطن ولا مسترخية وصدرها براق اللون متلألى الصفاء كتلألؤ المرآة .​​ 

شرح البيت الاثنين والثلاثون : ​​​​ 

كبكر المقاناة البياض بصفرة  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ غذاها نمير الماء غير المحلل​​ 

البكر من كل صنف : مالم يسبقه مثله​​ ، المقاناة : الخلط ، يقال : قابلت بين الشيئين إذا خلطت أحدهما بالآخر ، والمقاناة في البيت مصوغة للمفعول دون المصدر .​​ 

النمير : الماء النامي في الجسد ، المحلل ذكر أنه من الحلول وذكر أنه من الحلل ، ثم إن للأئمة في تفسير البيت ثلاثة أقوال : أحدهما : أن المعني كبكر البيض التي قوني بياضها بصفرة . يعني بيض النعام وهي بيض تخالط بياضها صفرة يسيرة ، شبه لون العشيقة بلون​​ بيض النعام في أن في كل منهما بياضها خالطته صفرة ، ثم رجع إلي صفتها فقال : غذاها ماء غير عذب​​ لم ​​ يكثر حلول الناس عليه فيكدرة ذلك ، يريد أنه عذب صاف .

وإنما شرط هذا لأن الماء من أكثر الأشياء تأثيرا في الغذاء لفرط الحاجة إليه فإذا عذب وصفا حسن موقعه في غذاءشاربه وعلى هذا القول فالمعنى : إنها بيضاء تشوب بياضها صفرة وقد غذاها ماء غير عذب صاف ، والبياض شابته صفرة هو أحسن ألوان النساء عند العرب .​​ ​​ 

شرح البيت الثالث والثلاثون :

تصد وتبدي عن أسيل وتتقي  ​​ ​​ ​​​​ بناظرة من وحش وجرة مطفل​​ 

قوله​​ :​​ أسيل بمعنى طويل ، وهو صفة الخد محذوف ،​​ 

وروي : عند شتيت ، ومعناه عن ثغر متفرق النابات .​​ 

الصد والصدود : الإعراض ، والصد أيضا الصرف والدفع ، والفعل منه صد يصد ، والإصداد والصرف أيضا ​​ .​​ 

الابداء : الإظهار، الاسالة : امتداد وطول الخد ، وقد أسل أسالة فهو ​​ أسيل ، الأتقاء : الحجز بين الشيئين ، يقال : ألقيته بترس أيجعلت الترس حاجزا بيني وبينه ، وجرة : موضع .​​ 

شرح البيت الرابع والثلاثون :​​ 

وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ إذا هي نصته ولا بمعطل​​ 

(الرئم :​​ وهو الظبي الأبيض ، نصته : دفعته ، الفاحش : ماجاوز القدر المحمود من كل شئ ، والمعنى : وتكشف عن عنق كعنق الظبي غير متجاوز قدره المحمود إذا مارفعت عنقها ، وهو غير معطل من الحُلي .​​ 

شرح البيت الخامس والثلاثون :

وفرع يزين المتن أسود فاحم  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ أثيث كقنوالنخلة المتعثكل​​ 

(الفرع : الشعر التام ، الفاحم : الشديد السواد ، الأثيث : الكثيف ، القنو : من التمر كالعنقود من العنب​​ .

المتعثكل : المتلف الأغصان ، والمعنى : وتكشف عن شعر طويل تام أسود يزين ظهرها يشبه قنوان النخلة الكثيفة .​​ 

الفرع : الشعر التام والجمع فروع ، ورجل أفرع وامرأة فرعاء . الفاحم : الشديد السواد مشتق من الفحم ، يقال هو فاحم بين الفحومة . الأثيث : الكثير ، والأثاثة : الكثرة ، يقال​​ : أن الشعر والنبت القنو : يجمع على الاقناء والقنوان .​​ 

العثكول والعثكال قد يكونان بمعنى القنو وقد يكونان بمعنى قطعة من القنو ، والنخلة المتعثكلة : التي​​ خرجت عثاكليها أي قنوانها ، والمعنى وتبدي عن شعر طويل تام يزين ​​ ظهرها إذا أرسلته عليه ، ثم شبه ذؤابتيها بقنو نخلة خرجت قنواتها ، والذوائب تشبه بالعناقيد ، والقنوان يراد به تجعدها وأثائتها .​​ 

شرح البيت السادس والثلاثون :

غدائره مستشزرات إلي العلا  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ تضل العقاص في مثنى ومرسل​​ 

الغدائر : جمع الغديره :وهي الخصلة من الشعر ،الاستشزار : الارتفاع ،والرفع جميعا ، فيكون الفعل منه مرة لازما ومرة متعديا ، فمن روي مستشزرات بكسر الزاي جعله من اللازم ، ومن روى بفتح الزاي جعله من المتعدي .​​ 

العقيصة : الخصلة المجموعة من الشعر ، والجمع​​ : عقص وعقائص ، والفعل من الضلال والضلاله ، ضل يضل . ، والمعنى : ذوائبها وغدائرها مرفوعات أو مرتفعات إلى فوق ​​ ، يراد به شدها على الرأس بخيوط ، ثم قال : تغيب تعاقيصها في شعر بعضه مثني وبعضه مرسل ، أراد به وفور شعرها والتعقيص التجعيد .​​ 

شرح البيت السابع والثلاثون :​​ ​​ ​​ ​​ 

وكشح لطيف كالجديل مخصر  ​​ ​​ ​​ ​​​​ وساق كأنبوب السقي المذلل​​ 

(الكشح : مابين الخاصرة والضلوع ، الجديل : خطام وهو مايجعل على أنف البعير ليقتاد به ،​​ يتخذ من الجلد المخصر : الدقيق الوسط ، الأنبوب : مابين العقدتين من القصب ، السقي : المسقي ، والمعنى : وتكشف عن كشح ضامر​​ يشبه في ذقنه خطافا جلديا ، ​​ وعن ساق يشبه في صفاء لونه أنابيب قصب البردي بين نخل قد ذللت بكثرة الحمل فأظلت أغصانها هذا البردي . )​​ 

شرح البيت الثامن والأربعون :​​ 

وتضحى فتيت المسك فوق​​ فراشها  ​​ ​​ ​​ ​​​​ نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل​​ 

الإضحاء :​​ مصادفة الضحى ، وقد يكون بمعنى الضرورة أيضا ، يقال : أضحى زيد غنيا أي صار ، ولا يراد به أنه صادف الضحى على صفة الغنى .​​ 

يقول : تصادف العشيقة الضحى ودقاق المسك فوق فراشها الذي باتت عليه وهي كثيرة النوم في وقت الضحى ولا تشد وسطها بنطاق بعد لبسها ثوب المهنة ​​ ،​​ يريد أنها محذوفة منعمة تُخدم وتَخدم ، وتلخيص المعنى : أن فتات المسك يكثر على فراشها وانها تكفي أمورها فلا تباشر عملا بنفسها وصفها بالدعه والنعمه وخفض العيش وان لها من يخدمها ويكفيها أمورها .

شرح البيت التاسع والثلاثون :​​ 

وتعطو برخص غير شثن كأنه  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ أساريع ظبي أو مساويك إسحل​​ 

(تعطو : برخص ، والرخص : اللين الناعم .​​ 

الشثن : الغليظ ،الأساريع : دود يكون في الأماكن الندية تشبه أنامل النساء به ،الإسحل​​ : شجرة دقيقة الأغصان في استواء ، والمعنى : تتناول الأشياء ببنان ناعم غير غليظ ، وكأن تلك الأنامل هذا النوع من الدود أو هذا الصنف من المساويك المتحدة من شجر الإسحل ) .

شرح البيت الأربعون :​​ 

تضئ الظلام بالعشاء كأنها  ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​ ​​​​ منارة ممسي راهب متبتل​​ 

الاضاءة :​​ قد يكون الفعل مشتق منها لازما وقد يكون متعديا ، تقول أضاء الله الصبح فأضاء ، والضوء والضوء واحد ، والفعل ضاء يضوء ضوءا وهو لازم ، المنارة المسرجة ، والجمع المنارور والمنائر، الممسى : بمعنى الإمساء والوقت جميعا ، والمعنى : تضئ العشيقة بنور وجهها ظلام الليل ، فكأنها مصباح راهب منقطع عن الناس .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *